رؤية جديدة في تصميم البحث
اعداد: د.جبر البنا
دكتوراه مناهج وتدريس
عمان _الاردن

العديد من الباحثين المبتدئين يقعون في حيرة في فهم مناهج البحث، وذلك يؤدي إلى الخلط في استخدام الطرق البحثية بدون وعي لافضل استخدام لها، أو ربما يؤدي إلى أخطاء تؤدي بالبحث إما للضعف أو للرفض من قبل المحكمين لمخالفته المشهور من التوجهات العالمية في طرق البحث. في اتجاهات المناهج والتدريس استقر أمر الكثير من العلماء على مدرستين أساسيتين: المدرسة الكمية ويتزعمهاكوهين والمدرسة النوعية ويتزعمها بلومر . المدرسة الكمية تنطلق من الفلسفة الوضعية وهي تهتم في المقام الأول بأن الحقيقة واحدة، وتهتم بمدى قياس هذه الحقيقة، لذا تجدها تهتم كثير بأدوات القياس والاختبار والمتغيرات المستقلة والتابعة . …
يقول كوهين ( Kuhn, 1970 ) “نحن نعيش في عصر الثورة المنهجية“.
أغلب الباحثين خلال القرن الماضي نشأوا في ظل الفلسفة الوضعية، المنهج الكمي أو التجريبي وخصوصا في العقود المتأخرة. كان التحدي الاكبر لهذه الفلسلفة في أن الحقيقة متغيرة وتأخذ أشكالًاً متعددة مما يؤدي إلى تشكيل تغير في تفكير العارفين بها وتغير
في المعرفة. إن المدرسة الوصفية أو النوعية أو التفسيرية أو الظواهريتيه
(Naturalistic inquiry, ethnographic methodologies, qualitative research, interpretive research)
– سمها ما شئت – تنظلق من أن الحقيقة متغيرة وليست ثابتة. وفي داخل هذه المدرسة يوجد العديد من المسميات والمصطلحات يقول (تيسش Tesch .1990) : بانه استطاع جمع اكثر من ستة واربعين مصطلحاً في المدرسة النوعية.
وخروجا من الإشكال الكبير وهو المصطلح. سنعتمد تسمية البحث النوعي والبحث الكمي في هذة الورقة التي أتمنى أن تصدر في كتاب منشور بعد اكتمال أجزاءها وتجد طريقا للدعم المالي للنشر .
إن فهم المنهج النوعي يعتمد على رؤيته من خلال المحتوى الذي يبنى فيه مشكلة البحث، ويزداد الفهم بقدر التجربة والتطبيق. إن السياقات التي تكون موضوع البحث ليست مفتعلة بل هي في سياقها الطبيعي، لذا على الباحث أن يغوص في أعماقها حتى يفهمها ككل؟
كذلك فإن المشاركين في البحث النوعي يتحدثون عن تجاربهم، شعورهم، أفكارهم، الخ ولرسم منظورهم الخاص من خلال الكلمات أو الافعال. لذا فالبحث النوعي هو عملية تفاعلية بين الباحث والمشارك وطبيعة المشكلة أو البحث، وبعبارة أخرى فإن المشارك يدرس أو يعلم الباحث عن حياته الطبيعة. لذا فطريقة البحث داخل البحث النوعي تختلف باختلاف الموضوع ولا توجد طريقة واحدة صالحة لدراسة جميع المواضيع.
إن البحث النوعي يعتمد على الفلسفة القائلة بأن الحقيقة ليست واحدة وأنها متعدده ومتغيره وتتشكل وتبنى تباعا لفهم مجموعة من الناس او الافراد، لذا فتجد أن في المنظمة الواحدة العديد من الافكار والحقائق حول موضوع واحد.
من جانب اخر يستعرض (ارلاندسون Erlandson .1993) الاشكال الفلسفي القائم على أنه إذا كانت الحقيقة واحدة فقط وموضوعية، فكيف تنسجم المعلومات والمعارف الجديدة مع المعلومات أو النظريات السابقة؟ مما يدفعنا للتساؤل عن الآتي:
هل المعرفة السابقة خاطئة ؟ أم هل المعرفة الجديدة خاطئة؟ أم أن الربط السابق بين النظرية والمعرفة كان خاطئا؟ بناء المعارف الإضافية؟ إذن إن افتراض تغير الحقيقة وارد حتى نثبت عكس ذلك مما يدلنا على ان تراكم المعرفة تكمن في التصحيح الذاتي. وإن المشاكل التي يجب علينا التغلب عليها هي الأخطاء المنطقية الأخطاء في العينة البحثية بتطوير التفكير المنطقي وزيادة العينة البحثية. إن الاختلاف في التصورات قد يحل بملئ الفراغ في المعرفة الشخصية و التصحيح الأخطاء المنطقية. ويستمر الصراع على هذة الشاكلة اذ يعتمد كوهين على الحقائق المنسوخة (اي المستخرجة من تجارب تمت اكثر من مرة ونتج عنها نفس الحقائق ) ويعتمد على هذة الحقائق كمحك او وسيلة اختبار للحقيقة . في حين نجد ان بلومر يعتمد على الخبرات المتراكمة كوسيلة للفهم .وكلا الاتجاهين يحملان في ثناياهما مواقف يجب مواجهتها اذا كان ينظر الى تطبيقها على انة جدير بالثقة وانها تؤدي بنا الى بناء نماذج وتصاميم مختلفة في البحث في المناهج والتدريس متسببة بذلك في حصول تنوع اكثر فاكثر.
ان اي شخص واع ومدرك للاتجاهات الحديثة لن يدهشه التباين والصراع الدائر بين كوهين وبلومر لانه يمثل وجهة نظر كل منهما في البحث . وهذا يجعلني اتحيز لافكار كوهين عند السير باجراءات البحث وتصميمة واهدافة واساليبة وطرقة .فاذا قمت بتصميم البحث وفق افكار كوهين سوف يكون البحث مطابقا للبحث العلمي في العلوم الطبيعية وسوف يكون تركيزي على استقصاء المتغيرات وسوف اشغل نفسي بمتغيرات مستقلة وتابعة والعلاقات بينهما وهنا اكون غير مطالب بالتفكير او ايضاح التطبيقات لما تم عملة .وكوني اؤمن بالنمطية المرجعية او الاخطاء (الفروق الفردية ) فالاخطاء والفروق يجب ان تظهر عند البحث ويمكن تصور ذلك كحركة الشجرة واختلاف حركة الاوراق حيث ان كل ورقة تختلف عن غيرها في الحركة وهذا يعطي البحث القوة والحيوية لاننا هنا نتحدث عن ظاهرة نستطيع ان نعممها من خلال ادوات احصائية تنبؤية تسعى الى الثبات واعطاء حكم دقيق وثابت وانا هنا ساكون معني بايجاد قيم رقمية للتجارب التي ساقوم بها كالمتوسطات الحسابية والنسب المئوية ومعاملات الارتباط والانحرافات المعيارية وساطرح اسئلة على شكل فرضيات من اجل اختبارها لرفضها او قبولها .
اما اذا كنت مطالب بتصميم البحث وفق افكار بلومر وتوجهاته ساقع في حيرة كون بلومر يحثنا على ضرورة الوصف من خلال ما يجري في الميدان وسوف يكون هنا التركيز على الذات الانسانية وسنكون مطالبين بالتركيز على الاثر النفسي والاجتماعي والثقافي وهنا يجب ان يكون الباحث ذكيا ولماحا ليستطيع الوصف بصورة جيدة لان بلومر يطلب منا لقف او التقاط الظاهرة وتاويلها كون الظاهرة ليست من الظواهر الطبيعية التي نهتم بها في البحوث العلمية .ان بلومر متحمس للبحث النوعي الذي ان اوانه عندما نجد ان التقنيات والاساليب النوعية في البحث قد حازت على الاعجاب والافضلية بسرعة فائقة خاصة عند السلوكيين والاجتماعيين المهتمبن بدراسة المناهج وان هذا البحث بدا يحصد التاييد عند منظري المناهج الذي يعتمد على التحليل الاستقرائي والوصف ولا تعنينا هنا الارقام او التاكد من صدق او ثبات الاداة لان البحث هنا سيكون اهم ادواتة دراسة الحالة وقد تاخذ وقت وجهد كبيرين لتصميم البحث . لانه يرفض الانموذج الذي وضعته العلوم الطبيعية وسنركز في البحث على الاحساس الداخلي وفهم الاخرين بطريقة اليفة كيف نعرف ما الذي يشعر ويحس ويعتقد به الاخرون ونتقن فن الكشف عن الواقع المعاش برؤية ثاقبة .
اختيار عينة البحث:
اذا تم اختيار عينة البحث وفق كوهين سنفترض ان العينة تمثل المجتمع تمثيلا صادقا وان المتغير المستقل هو الذي يؤثر في المتغير التابع وان الاختبارات والادوات ستكون ثابتة ويتحكم فيها الباحث. اما اذا تم اختيار عينة البحث وفق بلومر سيكون التفاعل بين الباحث وموضوع البحث واضحا وجليا ويمكن ان يصبح الباحث احد ادوات البحث وهنا لا يمكن الحصول على نفس النتائج اذا اعيد البحث لان الظروف المرافقة للبحث ستكون قد تغيرت . باختصار تكون صناعة البحث وفق بلومر في بيئتها الطبيعية دون تدخل من الباحث اما وفق كوهين فان الباحث هو الذي يتحكم في البيئة الصناعية المعزولة عن المجتمع .
كيقية الخروج بالفرضية :
وفق كوهين تاتي الفرضية من المشاهدات المحسوسة ونصل بها الى التعميمات ومن هذة التعميمات نستنبط الفرضية .ولا تختلف توجهات بلومر في الوصول للفرضية عن توجهات كوهين حيث يمكن اسنباط الفرضية من المشاهدات المعممة لكن دون مناقشتها او اختبارها وهنا لا بد ان يكون الباحث قادرا على صياغة المعرفة المتولدة من البحث لاقناع الاخرين بالنتائج بحيث يتم صياغتها صياغة صادقة تعكس كل ملابساتها وظرو ارتباطها بالواقع .
تعميم النتائج :
وفق كوهين يكون الغرض من التعميم التنبؤ والتفسير ويمكن ان تعمم النتائج على كل مجتمع الدراسة عن طريق الفروق الدالة احصائيا . اما وفق بلومر يكون الغرض فهم الظاهرة وليس التعميم لان البحث سيكون مرتبط بزمان ومكان معينين وستكون النتائج هنا غير فاعلة اذا لم تكن ملبية لحاجات المجتمع ورغباتة .
باختصار يطلب منا كوهين ان نكون في اطار الموضوعية العلمية وهذا يعني قبول الفرضية او رفضها اما بلومر فيرى ان الموضوعية هي المسيطرة في علم الاجتماع وان الهدف النهائي سيكون لما هو جيد وصحيح والحاجة الماسة للاستقصاء والتحري والحساسية تجاة المواضيع الخفية والمهم هو احساس الفرد وفهمة وادراكة للظاهرة