عرض كتاب «حيوانات أيامنا».. مزيج قصصي ساحر يستلهم أدب الرحلة والكتابة الوثائقية

تاريخ التسجيل : 08/09/2011


	عرض كتاب محمد المخزنجي شاعر القصة القصيرة سبق أن قدمت له " سفر " و " لحظات غرق جزيرة الحوت " و " الآتي " كما أن له على الشبكة " رشق السكين " و " أوتار الماء " من عمل الأخ الفاضل محمود أو فلوريست .. وقرأت بضع فقرات من كتاب حيوانات أيامنا قدمها المخزنجي في جريدة الدستور المصرية ، قبل أن ينتقل إلى جريدة الشروق .. وكم تمنيت أن أقرأ الكتاب كاملا و الشكر موصول لأختنا مايا شوقي لوضع الكتاب حصريا بالمنتدى «حيوانات أيامنا».. مزيج قصصي ساحر يستلهم أدب الرحلة والكتابة الوثائقية بقلم : محمد هديب غلاف الكتاب «انطلقوا أيها الرحالة فأنتم لستم نفس الأشخاص عند بدء الرحلة».. هذه مقولة ت. اس. اليوت التي أعاد إنتاجها القاص محمد المخزنجي في كتابة قصصية مختلفة في بنيتها عن أدب الرحلة الذي سبق له أن خاض غماره، وفي ذات الحين مستفيدة منه ليفتح شباكاً إبداعياً لقصصه الأخيرة «حيوانات أيامنا» تحت اسم «كتاب قصصي». ومن المعتاد أن يوقع القاصون مجموعاتهم بعنوان «قصص قصيرة» أو «قصص»، وكانت قصص «حيوانات أيامنا» تقتطف من الرحلات الخبرة العلمية ليعود منها المخزنجي بلغة شفيفة متوترة إلى قصص تحيق بها المصائر المأساوية، للكائنات الحية من بشر وحيوان، ومن البشاعة التي أنتجها العقل البشري الحديث، الذي لم يحارب بوسائل دمار شاملة وحسب، بل بـ«تعقيم» البيئة في حرب ضارية باسم الحضارة. ولم يعد ثمة فارق نوعي وإنما مساحي وكمي بين مصارع الثور الذي يجب أن يقتل هذا الحيوان «غير العاقل»، وبين صانع القنبلة الذي ينتخب الأنواع البشرية ويصنفها في مستويات أقل بكثير من درجته «الحضارية» ذاهباً إلى وصفها بالحلقة المفقودة بين القرد والانسان. الكتاب القصصي الذي منحنا إياه محمد المخزنجي يفتتح دائما قصصه الأربع عشرة بتصديرات مثرية من كتب قديمة كما هي الحال مع كتاب «الحيوان» للجاحظ أو «عجائب المخلوقات» للقزويني، ومن كتب علمية حديثة مثل «الحياة الوجدانية عند الحيوانات» لجيفري ماوساييف وسوزان ماكارثي، وهذا المذهب يضيف إلى رحلات المخزنجي المثري والممتع، مراعياً أهمية أن نستثمر الكتابة التوثيقية التي تفجرت مع الثورة التكنولوجية وصولا إلى الثورة الإعلامية المفتوحة. أصبحت الكتابة القصصية الوثائقية كما تبين ذلك فالنتينا ايفاشيفا في كتابها «الثورة التكنولوجية والأدب» ملمحاً هاماً استعاضت عنه الدول الصناعية بدل الخيال العميق، ودعت إليه جماعات أدبية من أهمها جماعة دورتموند في ألمانيا. وفي قصص «حيوانات أيامنا» لا بد أن يستوقفنا إبداعها من خلال الرحلة والتوثيق، والشيء الثاني في مفارقة هذه الكتابة لنوعين اثنين قدمهما المخزنجي: أدب الرحلات (كتاب الكتروني)، ورواية ريبورتاج قصصي حول كارثة تشيرنوبل. يخرج الكاتب من الرحلة والدراسة العلمية إلى قصص مشغولة بالتراجيديا الحياتية، ولكن دائماً بحضور الحيوانات في ذات المحيط التي تجري فيه المأساة. إنه يوحد الأرض الأم ويجعل السماء واحدة، ليكون السخط البشري وحده أيضاً واقعاً على الضحايا من ذات الجنس البشري، وتكون الحيوانات ضحية الضحايا. الظلم وغياب العدالة والاستغلال والقتل العنصري، خارج نطاق الطبيعة الأم، وإذا كانت الغرائز البدائية مما يتوافر عليه الإنسان فإن كل ما أنتجته الحضارة الحديثة كان احتيالاً على التسميات الأولى ومنحها زركشات خلّبية لم تترك البداءة كما هي في صورتها البسيطة بل جعلت منها مراكز بحوث سيدها العقل البارد وفرائسها تتناسل في الأفكار والنظريات. في قصة «بغال» يستخدم البشر هذه الحيوانات في عمليات تهريب روتينية عند الفجر، وتكون محملة بحمولات لا علاقة بها، تعود إلى البشر الذي يتركونها تقطع منطقة بين جبال ووديان. وفي المقابل هناك شرطة الحدود التي يقع عليها أن تباغت البغال بالرصاص. في كلا الحالين: إن عبرت البغال أو أبيدت، لا وجود لبشر قريباً منها، وإنما خرج العقل بمغامرته بين مرسل ومستقبل على الجانبين. لا يقف الكاتب موقفاً باهتاً من المشهد بل يكمله من خلال قائد العساكر الذي كان موفقا دائما في وصف الطبيعة والكائنات: ثمة مساحات خضراء خضرة مشرقة، حيث تتكون في المواضع التي تسيل منها عيون الماء مروج معلقة في الشقوق الصخرية. لم ير خطوط الدروب، والمدقات، والممرات الطويلة التي لونها ببياض ضارب إلى الحمرة، وهي تلتف، وتصعد، وتهبط، في تواصل طويل جميل خلال هذه الدنيا الجبلية البكر. لم ير السحب البيضاء الخفيفة التي تمر قريبة، يكاد يمد يده ويلمسها. لم ير أصفى زرقة لأنقى سماء فوق تلاوين الذرى السامقة، لم ير إلا تلك العيون الكبيرة الكحيلة طويلة الرموش تنظر إليه في عينيه، وبأسرع خمس دقائق مرت عليه في هذا المكان، وجد قافلة البغال المثقلة بالأحمال الغامضة على ظهرها تهبط.. وجد عساكره المصطفين على الحافة، يمسكون بأسلحتهم في وضع الاستعداد، وينظرون إليه في صمت متسائل، رأى عيونهم تقترب محدقة في عينيه دون أن يغادروا مرابضهم، وكانت عيون الكائنات البكماء ترنو إليه أيضاً وتقترب. شعر بدوار وأرعبه أن يهوي ساقطاً في بئر العيون، فانطلق صوته كأنه يصرخ في غياهب صدره العريض الأشعر طالباً النجدة: سلاااااح ولم يتبق إلا أن يكمل أمر إطلاق النار». يقول غسان كنفاني «مصائر الرجال كمصائر الخيول.. أفي ذلك أيما شك»، وفي قصة «دببة بيضاء.. دببة سوداء» كان مصير المرأة ذات الجمال الغابر مثل مصير الدببة التي تقتلع مخالبها وأنيابها لتكون مصدرا للمتعة السيركية، وتتحول من كائنات طبيعية مستقلة إلى مستعبدة، قلما ينتبه البشر إلى وجود الدب في مكانه الطبيعي، بل صنعت منه البشرية أيقونة حداثتها لأوقات الاستراحة وتبديد السأم، إن بقيت حية، وإن لا فهي مادة خام للفراء. في تصدير القصة يقتطع القاص من كتاب «الحياة الوجدانية عند الحيوانات»: «وتشهد الظاهر أن الدببة تستمتع بالغروب، وتستمد لذة من التجربة الجمالية، ويضحك العلماء من سذاجة التفسير، إذ كيف يكون قادراً على التذوق الجمالي والحالة التأملية في حين يعتقد العلماء أن بعض البشر عاجزون عن ذلك؟». كيف يرى الجنود الجمال حين اقتحموا قصراً في المدينة المحتلة، وأعملوا سكاكينهم ومواقدهم في ليلة شواء قضوا فيها على الغزلان فيما كانت الأسود تتضور جوعاً في أقفاصها وحين انتهى الجنود من الوليمة الكبرى رموا بقايا الطعام إلى الأسود التي ستشرف على الموت لأنها لا تأكل اللحوم المشوية. لا يقع الكاتب في طلعات بريجيت باردو الإعلامية حول حماية البيئة والحيوانات وخصوصاً لمهاجمة الذبح الإسلامي للخراف. إن قصص المخزنجي تضج بإدانة الظلم وتعرية استبداد البشر، وتحضر الحيوانات لتسرد الحكاية من جانب بالغ التعتيم. إنه يترجم لغتها إلى اللغة البشرية فنسمع صدى التكوين الأول للحياة على الأرض قبل أن يقذف بها جنون البشر إلى أتون المحرقة. في قصة بديعة تتحدث عن الأرانب البيضاء بياض الثلج، يحمل الشاب أرنباً ضل الطريق إلى البنت الجميلة. لكن القصة تقبس من هذه الذكرى الحميمة المطبوعة في قلب الشاب إلى المشهد القيامي حين تقوم الثورة وتهجم الجموع على القصر وحين يقتلعون البوابة الحديد يكون صاحب القصر وعائلته قد فروا في مركب عبر النيل. ولا يبقى في القصر إلا الموجودات الباذخة وآلاف الفقراء الهائجين يستحوذون على ما وصلت إليه أيديهم. في الأثناء تهرب عشرات الأرانب من أقفاصها إلى أيدي الجموع الفقيرة، وفي المساء حين الجنود على المنطقة في حملة تمشيطية تكون الأرانب البيضاء في البيوت، بل كل من طبخ ملوخية بالأرانب دليلاً قاطعاً على التورط، فما كان من أصحاب البيوت إلا أن يطردوا الأرانب أبعد ما يكون عن بيوتهم. نجح محمد المخزنجي في تقديم مزيج ساحر من كتابة أزعم أن القاصين يغبطونه على الذكاء الذي جمع بين المعرفة الممتازة في رحلات جابت أوروبا وآسيا وإفريقيا، وبين حساسية قصصية متدفقة تجعلك تقرأ الكتاب أكثر من مرة. ** منشور في صحيفة "الوطن" القطرية في 19 يوليو / تموز 2010 رابط الكتاب للتحميل في المنتدى تحياتي

» صور حيوانات برية اليفة 2014, اجمل صور حيوانات 2015
» فيديو: ليو ميسي ساحر في كرة السلة أيضاً
» إيمان البحر درويش: نقابة الموسيقيين ستكرم روح الرحلة وردة الجزائرية
» اجمل صور حيوانات...
» حيوانات غريبة عمرك ما شفتها

عرض كتاب «حيوانات أيامنا».. مزيج قصصي ساحر يستلهم أدب الرحلة والكتابة الوثائقية

عرض كتاب «حيوانات أيامنا».. مزيج قصصي ساحر يستلهم أدب الرحلة والكتابة الوثائقية

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة