أنا وزوجتي والتمساح القاتل

تاريخ التسجيل : 18/11/2010

أنا وزوجتي والتمساح القاتل
تخيل معي المشهد، أنت وزوجتك في نزهة بريئة بإحدى الحدائق، وراق لك أن تزور بيت الزواحف، وفجأة يخرج تمساح يقارب طوله ثلاثة أمتار ليجذب زوجتك إلى أعماق البحيرة التي يعيش بها ليلتهمها وجبة طازجة... قبل أن نستطرد في القصة يجب أن تعرف أن ما أقصه عليك ليس من نسج خيالي، أو مشهد من أحد أفلام المغامرات الكارتونية، بل قصة حقيقية حدثت وشهدها المئات من زوار حديقة "ليتشفيلد الوطنية" بأستراليا، حيث اختطف التمساح القاتل السيدة "ويندي بيتريك" البالغة من العمر 36 عاما، بينما كانت تتنزه مع زوجها، ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، ولم يستمتع التمساح بوجبته، فقد قفز الزوج "نورم" على ظهر التمساح وبدأ معركة مثيرة شهدها زوار الحديقة دون أن يفكر أحد في التدخل بين التمساح الجائع والزوج الغاضب والزوجة التي أصبح جزء منها داخل فكي التمساح بالفعل، ظل نورم بكل قوته يلكم عين التمساح الذي قرر أخيرا ترك الزوجة.
وعندها انتهز الزوج الفرصة وخرج هو وزوجته إلى بر الأمان، جميع من شهد الحادث أكد أن الزوج بطل بكل ما في الكلمة من معان، حيث وصفوا تماسيح الحديقة بأنها "ماكينات وحشية"، وتصرف الزوج يعكس شجاعة وجرأة لا حدود لها، وكذلك أشاد الجميع بشجاعة الزوجة التي لم تصب بالانهيار، وظلت تقاتل مع زوجها للخروج من بين أسنان التمساح.
هلاك محقق
الزوجة "ويندي" تم نقلها بعد ذلك إلى مستشفى "داروين الملكي"، حيث أصيبت بجروح خطيرة في الساقين، وذكر "لين نوتاراس" مدير عام المستشفى أن هذا الموقف كان يمكن أن يكون قاتلا، وينتهي نهاية مأساوية، كأن تفقد الزوجة أحد أطرافها أو تموت، حيث إن قوة عضة واحدة من التمساح كانت كافية لبتر الساق أو جزء منها، مؤكدا أن تصرف الزوج السريع هو الذي أنقذ ويندي بيتريك من الهلاك المحقق، فهجمات التماسيح شائعة إلى حد ما في شمال أستراليا على وجه الخصوص.
لا شك أن ويندي شهدت يوما عصيبا، ولكنها أيضا ستشهد في المستقبل حياة سعيدة حافلة مع زوجها المحب، والذي قدم برهانا لا غبار عليه في مصداقية حبه لها، وكيف لا وقد صارع تمساحا من أجلها، ولو تركها لمصيرها لما لامه أحد على ذلك، بل ربما يتحدث بعض الأزواج الآن هامسا "لماذا لم تتركها يا عزيزي؟! لو كانت زوجتي لفعلت، وتخلصت من هذا الكابوس اليومي"، ولكنه قاتل من أجل زوجته وانتصر.
لو كنت مكانه
نعود مرة أخرى إلى قصتنا وسؤالنا، أنت الآن في الحديقة والتمساح اختطف زوجتك بين أسنانه ليلتهمها وجبة طازجة في أعماق البحيرة فماذا أنت فاعل؟.
توجهت بسؤالي إلى العديد من زملاء العمل المتزوجين، وكلهم أجابوا بصراحة بأنهم غير مستعدين لهذا النوع من التضحية، أو هذا النوع من الصراع، خاصة أن الخصم يتميز بأسنان حادة، وطول يقارب ثلاثة أمتار فضلا عن فارق القوة والخبرة في قتل الآخرين، باستثناء واحد أجاب بأنه مستعد لقتال عشرات التماسيح من أجل زوجته، وليس تمساحا واحدا فقط، وبغض النظر عن مصداقية هذا الزوج، فقد دعوت الله ألا يخضع لأي اختبار لهذه المصداقية، ويكفي أن يؤكد لزوجته عن استعداده لهذه المغامرة من أجلها.
فاجأتني زوجتي عندما عرفت بالقصة بنفس السؤال، هل ستقاتل التمساح من أجلي إذا حدث شيء كهذا؟ فأجبت دون تردد: "شهيدة إن شاء الله.. أنا هاكون عارف انك رايحة الجنة".. إذن لا داعي لقتال التمساح ما دام أنها شهيدة، وأن مثواها الأخير الجنة بإذن الله، سواء كان السبب قذيفة إسرائيلية، كما يحدث لنسائنا وبناتنا في فلسطين والعراق، أو بين أسنان تمساح قاتل في حديقة للزواحف.
الحقيقة التي خرجت بها من هذه القصة أنه يوجد في قلوبنا الكثير من الحب لكل من حولنا، وفي مقدمة هؤلاء الزوجة طبعا التي نستطيع أن نضحي بالكثير من أجل إسعادها، ولكن هذه الحقيقة تضيع مع ضغوط العمل، وزحمة المواصلات، ومصاريف المنزل، وصراخ الأطفال الذي يصم الآذان، ومطالبهم التي لا تنتهي.
نعم أنت تحب زوجتك، وما فعله نورم في الحديقة ليس أمرا عجيبا، فنحن جميعا مستعدون لفعل ذلك، وكل ما تحتاجه الآن لتعرفه أنه يجب القفز على ظهر التمساح وضربه في منطقة العين لتجبره على ترك زوجتك، أما الباقي فسهل يسير، ونحن جميعا لدينا من الحب والتضحية الكثير لفعل ذلك، ولكننا على أي حال لسنا في حاجة لتمساح لنثبت ذلك، تكفي وردة صغيرة، هدية بسيطة أيا كانت، مكالمة تليفونية تحمل معها كلمات دافئة عذبة تعلن فيها اشتياقك لزوجتك التي تركتها منذ دقائق، لتؤكد لزوجتك هذا الحب الذي غطى عليه ضباب الحياة وضغوطها.
قصة التمساح ليست دليل شجاعة؛ ولكنها دليل حب، ليس فقط في قلب نورم لزوجته، ولكن في قلوب كل الرجال، والذين أصبحت قصة نورم والتمساح رمزا لها، وإن منبرا عاليا يؤكد هذه الحقيقة التي أصبحت بطولة الزوج الأسترالي دليلا عمليا عليها، ليس فقط في قلبه؛ ولكن في قلوب جميع الرجال، فقط اكتشف هذا الحب، وأعلن عنه بهدية بسيطة، ولا داعي لقتال تمساح أو ديناصور من أجل زوجتك.