ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما

ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما

أنعم الله على الإنسان بنعم لا تحصى كثرة، وأجلها وأعظمها بعد الإسلام نعمة الحياة... فالحياة هبة من الله للإنسان ونعمة لا يستطيع شكرها مهما حاول، فهو كان قبل هذه الهبة نسيا منسيا يطويه العدم، ثم أخرجه الله إلى الوجود واستحفظه على هذه النعمة، وليس من حق أحد أن يسلبها تحت أي غطاء أو لأي سبب كان إلا واهبها ومعطيها سبحانه وتعالى ...
وقد شهدتُ أمس محاولة انتحار لشاب أشعل في نفسه النار، فاحترقت عليه ثيابه وشُ...وى جلده، والناس حوله ينظرون إلى عجائب ما يفعل الإنسان إذا شرد عن الله ونسي منهجه وتنكر لأوامره.
فأي شيء يدفع الإنسان إلى أن يرمي نفسه في نار الدنيا ونار الآخرة؟ ...
أهو الكآبة واليأس؟؟:
إن الكآبة مذمومة، وسببها السخط على أقدار الله، وإن الله تعالى بقسطه وعدله جعل الرّوْح والفَرَح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في السخط ... ومن وقع في شيء منها التجأ إلى الله داعيا: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن ... وما قال أحد قطُّ إذا أصابه هَمٌّ أو حزن: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فِيَّ حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه، وأبدله مكان حزنه فرحا ..
فلِمَ الهمُ والحزن والكآبة إذن؟ وعندنا من شفائها جوامع الكلم من أدعية النبي عليه السلام ..
أم هو اليأس: واليأس لا يقع فيه المؤمنون؛ لأنهم يعلمون أن مع العسر يسرا ... وأن الفرج مع الكرب ... وأنه بعد الليل الحالك يأتي ضوء الفجر الساطع ... (وإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) ... وإذا تعب في الدنيا الأنبياء فكيف بمن هم دونهم ورحم الله ابن القيم القائل: يا مخَنَّت العزم أين أنت والطريق طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، وأضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد...
أم هم الفقر والحاجة وقلة ذات اليد؟: إن المال وإن كان زينة للحياة، فإنه لا يجلب السعادة ولا يحققها، وكم من أصحاب مال شقوا في الدينا وكانت أموالهم عذابا عليهم، وقد شهدتُ بعض ذلك بنفسي، وصدق الله القائل: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا)... فلا تحزن إذن على دنيا ذاهبة ولا تفرح بها آتية ..
أم هي غانية أشحات بوجهها عنك، وأغمضت عينيها دونك، فحسبت أن الكون كله أغلق دونك نواظره ... ثم لم تجد إلا أن تقتل نفسك وتحرق بدنك إرضاء لها وإسخاطا لربك ...
هذه بعض أسباب الانتحار أما جماع ذلك كله فهو البعد عن الله، والجهل بأحكام شرعه، ولو علم هؤلاء المنتحرون أنه (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طييبة)، لعملوا الصالحات واجتنبوا المنكرات، وعاشوا سعداء يغبطهم الملوك على ما هم فيه من طاعة لله.
ولو علموا من شرع الله وأحكامه أن المنتحر كالساعي إلى حتفه بظلفه، وأن مصيره إلى النار، يعذب في جهنم بما قتل به نفسه لما أقدموا على هذا الفعل الشنيع، يقول عليه السلام: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه ـ أي: يطعن بها بطنه ـ في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًا فقتل نفسه فهو يتحساه ـ أي: يشربه في تمهل ويتجرعه ـ في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا» ...
ولو علموا أن الجنة محرمة عليهم لأمسكوا عن ذلك، يقول الله في الحديث القدسي عن المنتحر: «بَدَرَنِي عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة».
ولو علموا أن الله أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم، بل بهم من أنفسهم لانتظروا رحمته ولو بعد حين: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما»
اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا على أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ... آمين.