هاري بوتر

تاريخ التسجيل : 18/11/2010

هاري بوتر
نذ ما يقرب من الثلاثة أعوام، وأنا تتزاحم على مسامعي - في تطفل غريب - كلمات وقصص تدور حول شخصية بدأت أكوّن تجاهها كرها دفينا غير معلل تدعى "هاري بوتر". أصبحت أكره اهتمام الكبار به قبل الصغار، كنت أضع للأطفال أعذارهم؛ حيث أسمع أنه شخصية خيالية تقوم بأفعال خارقة أو سحر من أجل أن يسود الحق والخير، ولكني كنت أعجب لإعجاب وانتباه الكبار له، واضطررت لأن أعطيهم عذرا بسيطا وأقول: لعل السياق جذاب، أو لعل الحبكة القصصية فائقة التصور، وفي النهاية هو عمل قصصي لمؤلفة من بلاد "الخواجات"، فمن الطبيعي إذن أن يكون مختلفا وله رونق!
إلا أن كلمات الإطراء وتزايد أحلام اليقظة بين الأطفال في مصر حوله أصبح يزعجني بحق..!
في عقر بيتي!
كنت أسمع عن تطوراته، وكيف أن الجزء الخامس هو جزء فاصل، وأن هناك منتديات تخص "هاري بوتر"، بل أن هناك من الأطفال من يفكر مع المؤلفة من أجل أن يتوقع معها ماذا سيحدث في الجزء القادم! وزاد الطين بلّة عندما عرفت أن القصة تصور كأجزاء سينمائية، فازددت غضبا وغيظا من تلك الشخصية التي لا تريد لي أن أهنأ بعيدا عنها لبعض الوقت، حتى كانت الطامة الكبرى..!
اكتشفت أن هذه الشخصية هي المفضلة لدى ابنتي! ظللت أنظر لاهتمامها بها بانكسار ممزوج بحسرة لأن حدث ذلك في عقر بيتي! وقلت لنفسي: تحملت ذلك ممن حولي سواء أكانوا كبارا أم صغارا، فمن حقي ألا أراه وكأنه يخرج لي لسانه من تحت وسادتي قائلا: لن أدعك في حالك، لقد وصلت إلى هنا..! فأرد عليه قائلة: "لقد ارتقيت مرتقى صعبا أيها الوغد"، وكنت أمني نفسي طمعا أن تنساه ابنتي - بل في الحقيقة كل أبنائي- حتى قلت في نفسي لن أستسلم لهذا الهاري بوتر.
وكدت أموت كمدا وحسرة عندما وجدت أبنائي يدخرون النقود من أجل الحصول على نفس الأجزاء الموجودة لديهم ولكن.. باللغة الإنجليزية!
وحدث ما كنت أخشاه، وتم شراؤها بمئات الجنيهات وأنا أجر أذيال الخيبة، وأحمل في قلبي الحسرة على ما أصاب بيتي من وباء.
قررت - كعادتي - ألا أدع المشكلة تنال مني، فأنا دوما أقوى، وأنا دوما صاحبة القرار الذي سينفذ، شاء من شاء، وأبى من أبى، بالذوق والاقتناع، ودون أن يشعر من أمامي بأني أسلبه حقه في تقرير المصير، وإن لوحت لهم بتعديلات دستورية - عفوا- أقصد تعديلات سلوكية مني..
وقررت أن أذهب في يوم عامدة متعمدة إلى الجزء الأول من القصة؛ حتى أضع يدي بدقة على نقاط الضعف لأصوغها للكبار قبل الصغار، وقمت بعمل كوب الشاي الملازم لتلك المهمة الصعبة وبدأت أقرأ عن كثب وترقب لاصطياد الزلات.
وكان عجبا....
لقد أدهشني العقل البشري حقا.. ليس لأنه يستطيع أن يتخيل ويحبك الدراما بفن وقدرة فحسب، ولكن كان عجبي من أنه حين يشحذ زناد فكره ويعتصره الإبداع، ويتكلف كل طاقاته، فلا يزداد في النهاية إلا قربا من الواقع!!
شخصية مُثْلَى
فقد قامت المؤلفة بكل هذا، وكانت طريقتها للوصول إلى شخصية مُثْلَى في الحق والخير والخلق، هي أن تبدع شخصا قادرا على مواجهة البشر - ممن أسمتهم بالعامة - الذين يريدون أن تظل الحياة بلا ضابط أو رابط، وأن تجعله شخصا "مميزا" خلقا وجسدا وحياة، فجعلت نسبه غير عادي، وغيرت عند ظهوره ملامح رئيسية في الكون، كاختفاء شخصية جبارة لها ثقلها في الحياة، لتحوم حولها شكوك في موتها، أو أخرى تضعف قوتها فقط عند ظهوره!!
وكان لا بد من أن تكون هذه الشخصية متميزة في شكلها الخارجي، فأفاضت الكاتبة في وصف وجهه وجسده، وجعلت لديه ندبة في رأسه يراها كل من له عينين، وكيف أنه كان مقهورا لظروف خارجة عن إرادته، وفقيرا منذ صغره، ويتيما ليس له أب يركن إليه، أو أم تحنو عليه، فانتقل ليحيا في بيت خالته، التي كان عندها يتحمل بنبل أخلاق أقاربه الذين لم يستطيعوا أن يعطوه سوى خزانة صغير حقيرة يحيا بها على الرغم من سعة منزلهم!
وكان صبورا، يتحمل الظروف الصعبة من حوله، وكان أمينا على الرغم من قدرته على التحايل من أجل الحصول على حقوقه الطبيعية في الحياة، إلا أنه لم يفعل! كما كان محل ثقة الآخرين على الرغم من اختلاف أفكارهم وشخصياتهم وأعمارهم، حتى وصل إلى عامه الحادي عشر، حين بدأت الرسائل الغريبة ترسل إليه أينما كان، فأخذته خالته إلى جزيرة بعيدة وسط الماء، لا مكان فيها لصندوق بريد، ولا قدرة لساعي بريد على الوصول إليها! في محاولة منها لقطع التواصل الروحي معه.
كان هذا نتاج قراءة 65 صفحة فقط من الجزء الأول، والذي بيع منه مليون نسخة في ثلاثة أيام!
وجدت نفسي أصيح صيحة فرح! إلا أن فرحتي كانت ممزوجة بألم كخنجر يقطّع أوصالي مرددة: سبحانك يا رب!.. سبحانك يا رب!

أعجز البشر أن يروا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم! تلك الشخصية الرائعة التي توصف أخلاقها الحقيقية في القصص الخيالية، كمحاولة لجبر الكسر الموجود في صفاتنا، فيتمموا بها نقصا مروعا في واقعنا لنحياه خيالا؟!!
محمد عليه السلام
أما استطاع منا أديب أو كاتب مهتم بقصص الأطفال أن يتناول مولده عليه الصلاة والسلام، وطفولته بهذه الطريقة الجذابة التي نقرأها في "هاري بوتر"، فيتشبث بها أطفالنا المسلمون عن واقع لا عن خيال؟
ألهذه الدرجة يحصل الخيال على الشهرة، والقدوة، والانشغال، والتحليل، والتفسير، وتترك الحقيقة نهبا للتراب والنسيان، أو مصمتة الشفاه عن عجز مخل؟
ألم نقرأ جميعا عن مولده عليه السلام، وعن الأحداث العجيبة التي صاحبت مولده في المشرق والمغرب؟
ألم نعلم أنه كان عليه السلام في ظهره شامة أو ما نعرفه بخاتم النبوة كعلامة مميزة؟
ألم نستطع تجسيد يتمه وفقره ونبل أخلاقه بالصورة التي تبقى في الأذهان لتكون قدوة، لتحصل شخصية خيالية على كل هذا البريق بل والتصديق والانبهار، وتصبح قدوة للكثير من أبنائنا، وهي محض خيال يشطح في أحيان كثيرة حين تصور على أنها ساحر قادر على تغيير من حوله بتعاويذه.
وحتى مساحة السحر لنا فيها وقفة، فحين عجز من حول رسول الله صلي الله عليه وسلم عن تفسير أو محاربة نبوته وخلقه قالوا: ساحر! وكانت هذه النقطة تحديدا هي ما ارتكزت عليه المؤلفة لتعطي لنبل أخلاق هاري بوتر ولحربه المستمرة للشر والظلم قوة وتأثيرا!
إننا بحق نملك بيننا رسول الله صلي الله عليه وسلم، شخصية حقيقية أراد الله لها أن تكون بشرا ليقول لنا إنه يمكن لبشر أن يغير بشرا، حين يتحلى بصفات جليلة كالأمانة والصبر والصدق والتخطيط والإبداع والخلق الرفيع.
حينها شعرت بالإهانة التي نلحقها نحن برسول الله قبل غيرنا..
كم قصرنا في دراسة سيرته العطرة حين لم نلتفت لها أو حين التفتنا إليها بآليات لا تتناسب مع الزمن الذي نعيشه.
فكم واحد منا استفاد في حياته اليومية من سيرته؟ وكم عالم من علمائنا الأفاضل تعلم منه في كل مجالات المعرفة العلمية والشرعية والنفسية والاجتماعية، وما خفي كان أعظم..
مدينة أنا - والكثير من البشر- لك يا رسول الله باعتذار يتلمس طريقه خجلا وهو يتمتم بعبارات التأسف التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ومدينة لك أكثر بكل التحية والإعزاز والإكبار لشخصك الكريم، ولن أفقد الأمل أبدا في أن يأتي يوم تأخذ الحقائق فيه مكانها الطبيعي.
فهل من مشمر يخط بقلمه سيرة رسول الله بأدوات وتقنيات العصر الذي نحياه مطمئنا واثقا بنجاحه الباهر لأنه على أقل تقدير يتحدث عن حقيقة وليس عن خيال؟!
لا أتصور أن قارئ مقالتي سيفهم أنني أردت المقارنة أو نقد قصة "هاري بوتر" كإبداع قصصي بحت، وإنما أردت أن أقول إننا ما زلنا نملك القدرة على إبراز تراثنا العملاق والإبداع فيه، خاصة أنه بين أيدينا، بدلا من الانتظار حتى يبدأ الآخر الذي يبذل فيه الجهد الكثير!

تاريخ التسجيل : 03/03/2011

تاريخ التسجيل : 18/11/2010

تاريخ التسجيل : 05/02/2011

تاريخ التسجيل : 18/11/2010

» لعبة هاري بوتر -- أمير الدم

هاري بوتر

هاري بوتر

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة