أمّاه ~
احضُنيني ؛
قبّليني ..,
لا تتركيني ..,
هي المرةُ الأولى التي تَركتْني فيها وحيدة , في يوميَ هذا يا أُمي زُدت جُرعاتِ المرحَ قليلاً , وحبِستُ دُموعَ الحرمانِ كثيرا ً , هَمِمتُ إلى فراشي كَتِلكَ الليالي الماضية , رددتُ دُعاءَ النومَ كما علمتِني , واستلقيتُ على سريري وعيوني تُحدِقُ في سطحِ الغُرفَةِ , أُفكِر وأٌفكِر وتساؤلاتٌ تهتِفُ في داخلي :
كيفَ تترُكيني أُماه وترحلي ! كيف علي ّ أن أودعك  ؟
أما تعلمين أن قلب ابنتك لا يحتمل لحظة الرحيل أم أنك تحسبين أن قلبي يا أمي في أقصى حالات البرود و اللامبالاة !
وأنا في أوج تساؤلاتي وبين زحمة تخيلاتي شعرت بقبلتك الدافئة تلك القبلة أرسلت صواعق حُب ٍ في عروقي , جعلتني ارجف خوفاً , ارجف ضياعاً , ارجف ألماً ..
أتعلمين يا أمي كم ساعة نمت يومها !
هه لم أنم يا أمي أبداً , لم استطع أساساً , بل تلك القبلة التي انبعثت من بين شفتيك جعلت دموعي تتعدى حدود أهدابي وتهرب , تلك الليلة يا أمي بكيت بكاء ً أقسم لك أنني لم أبكِ مِثّلَهُ من قبل بكيت وبكيت حتى جف ريقي إثره
ببزوغ الفجر تظاهرت بأنني نائمة ً, تائهة, منغمسة ً في أحلامي
و بشروق شمس ِ ذلك اليوم أيقظتني , أيقظتني لأودعك وأَخُط بدموعي كَلِمَة َالوداع , راقبتُ عجلاتِ حقيبتك , بَهُتَ لونُ عباءتك , رغبتُ بنهبِ مُصحَفِك , وابتسامتي تُخالطُ دموعيَ التي ملأت مُقلتي , كان من يرى ابتسامتي يحسب بأني أرغبُ برحيلها ..,
دعاني أبي لتودعيك , رفِضتُ وبشدة ,
أتعلمين أمي !
خِفتُ من دموعي بأن تسقطَ , خِفتُ لأول مرة ً منها بأن تسقُطَ أمامك , ورحلتِ , وعاودت الاختباء هناك في قبو منزلنا الصغير , استلقيت على ذاك الجدار , لم أحبب أن يرى أحداً دموعي فيظن أنني ضعيفة أنني فتاة مدللة لا تستطيع المكوث بضعة أيام دونَ والِدتها , كُنتُ أحبذ أن أُصيبَ بالهذيان أو الجنون على أن يرى أحدا ً دمعي .
بِتُ أمي استنشقُ عِطرَكِ الذي طالما عشقته , بت استشف الدفء من سريرك الدافئ , حينها شدني الحنين إليك , تمنيت قُبلتك , اجتاحتني رعشة مجنونة في جسدي , حتى الغصة التي صاحبتني باتت معلقة وسط حنجرتي ..
أأعترف لك بإحدى أفكاري الغبية أمي !
أردت مارداً و مصباحاً
أردت جناحان
أردت حصاناً طائر
أردت أشياء لا تخطر على بال أحد
كنت أريدك , أريد لمساتك الهادئة تلك التي تشعرني بالأمان وأردت حضنك لينتشلني ذاك الأخير من ضعف قد أصابني ومن حزن غنّى معزوفة ً عنفوانية داخلي ..
ما عليّ فعله الآن هو الانتظار و الانتظار و الانتظار فهل من عودة ٍ أمي من بعد رحيلٍ طويل .