قالوا عن الحظ إن حظي كدقيق .. فوق شوك نثروه

تاريخ التسجيل : 18/11/2010

قالوا عن الحظ إن حظي كدقيق .. فوق شوك نثروه
ذلك الحظ المفروش بالشوك كان عقداً جوهرياً احتوى عنق طفلة اسكوتلاندية تُعد حفيدة هنري السابع ملك انكلترا تدعى ماري ستيوارت ، أبصرت النور في 7 كانون الأول (ديسمبر ) 1542م في قصر لنلثجو (Linlithgow) ، قالوا عنها منكودة الحظ منذ ولادتها ، فبعد مولدها ببضعة أيام ضم والدها "جيمس الخامس " قبر صغير ، عبرت الأيام في حياتها على زورق الشجون ، فابتسم الحظ لها وهي في عمر تسعة أشهر ، ففي يوم مشرق جميل حُملت الطفلة ووضعت على كرسي ذهبي ، تقدم أحدهم يضع التاج على جبينها الصغير ، ثم وضع أمامها سيف صغير يتناسب مع يديها الصغيرتين ، كانت تلك المظاهر الملكية تجري حول الطفلة وهي لا تدري ماذا يحدث ؟

لم تكن على دراية بأنها أصبحت ملكة عظيمة على عرش اسكوتلاندة ، حاصرها رجال كبار الدولة يركعون أمامها احتراماً ، كانت الطفلة ماري تنظر لذلك مذهولة فتنطلق صرخاتها و تُسمع الجميع بكائها ، تنهمر دموعها تلو الأخرى ، ذلك النبع المُر الذي لازمها طوال حياتها ، كانت خائفة من الجميع ومما يحدث حولها .
أثقلوا كاهلها بالأعباء السياسية عندما أكملت سن الخامسة ، فطرق باب قلبها أول رجل طلب خطبتها وهو ولي عهد فرنسا الذي توّج بعدها ملكاً باسم فرنسيس الثاني ، وعندما بلغت سن السادسة أرسلت ماري لفرنسا لتتلقى العلوم هناك وكانت ترافقها في رحلتها أربع فتيات من الطبقة الرفيعة بنفس عمرها يحملن جميعاً اسم ماري ، ولذلك لُقبن باسم " ماريات الملكة " .

فبدأ جمال ماري وذكائها ينضج أكثر ويبرز وضوح الشمس أمام الأعين المندهشة الحاسدة الحقودة .
تفتح الجمال الأخاذ في أراضي اسكوتلاندة ،

فلما بلغت ماري السادسة عشرة تزوجت خطيبها ولي العهد فرنسيس البالغ من العمر سن الخامسة عشرة في حفلات ضخمة آية في الأبهة والجمال ، تلتها حفلات ومآدب في غاية الروعة، ولكن سرعان ما تحول اللون الوردي المفرح في حياة ماري إلى لون أسود قاتم .
بدأت رياح الحزن تهب وتعصف على فرنسا فقرعت أجراس الكنائس حزناً على وفاة ملكها ، فوضع التاج على رأس فرنسيس زوج الملكة الاسكوتلاندية ماري ستيوارت ، مرت أشهر على تولية فرنسيس العرش فسرعان ما تبلدت غيوم الشجن على فرنسا لتوقظ آلام جديدة بموت فرنسيس زوج ماري ستيوارت وهو لم يكمل عاماً واحداً على العرش .
بقيت الفاتنة ماري مخلصة ووفية لزوجها حتى أن أخ الملك كان ينظر لصورة فرنسيس يخاطب صورته بتوجع :" آه يا فرنسيس ، ما أسعدك أخاً! ، فمع أن حكمك وحياتك كانت قصيرتين ، إلا أنك كنت تُحسد عليهما ، لأنك كنت تستحوذ على ذاك الملاك وحبه ! "
عادت الأرملة ماري لبلادها تجر معها حقائب الحزن ، فبدأت ملكة انجلترا اليزابيت تضطهد ماري بشتى الطرق .
تسلمت ماري السلطان في بلادها وبدأ سيل العُشاق يفدون إلى باب قصرها يطلبون يدها ومنهم ملك السويد ، وملك أسبانيا "فيليب الثاني " ، والأرشيدوق شارل ابن إمبراطور ألمانيا ، وكان بعض هؤلاء المحبين ممن كانوا يوماً عُشاق اليزابيت ملكة انجلترا فشعرت بالإهانة ، وبدأت اليزابت تنسج لها المكائد رافضة أن تتزوج ماري ممن رفضتهم هي يوماً ما وأخرجتهم من باب قلبها !
تداركت ماري الموقف فتزوجت بحبيبها وابن عمها الوسيم دارنلي .
كان جمال زوجها دارنلي يخفي ورائه خبثاً ومكراً ، ذلك القناع الخسيس الذي ألبس لزوجته النوائب بعد أن اشترك مع والده بمساعدة أشراف اسكوتلاندة في عدة خطط بقصد هلاك الكاثوليكية الملكة ماري ستيوارت لإرغامها على النزول عن العرش لصالح ابنهم "دارنلي"
بدأت ماري تنظر لجميع من حولها بعين الشك ، فلم تكن تشعر بطمأنينة تجاه زوجها فتدهورت حياتهما الخاصة ولم تعد تثق به كالسابق .

فاتخذت خطوة جريئة أثارت فيها حقد زوجها بعد أن عينت مستشاراً مالياً إيطالياً يدعى دافيد ريزبوا وكان كاثوليكياً ، فحاك زوجها مؤامرة ضدها بمساعدة الحزب البروتستانتي .

وفي يوم حالك غاضب من أيام شهر آذار ( مارس) عام 1566م ، دخلت عصابة بشراسة غرفة طعام ماري ، اهتز بخطواتهم المكان ، فجرو " دافيد ريزبوا" جراً كالبهيمة بدون شفقة ثم قتلوه ، كتمت ماري لوعتها وآلامها، ورغم الأسى ساعدت زوجها بعد ذلك على الفرار من أيدي أعدائه .

صورة ماري ستيوارت مع ابنها جيمس

مرت أشهر على تلك الحوادث المؤلمة حتى انطلقت مدافع الفرح في اسكوتلاندة تعلن ولادة الملكة ماري طفلاً حمل فيما بعد لقبين ، لقب "جيمس السادس أوف اسكوتلاندة ، وجيمس الأول أوف انكلترا.
بدأت العواصف تهب في حياة الزوجان اللذان كانا يوماً حبيبان فأصبحا متنافران ، في هذه الفترة مرض الزوج دانلي مرضاً شديداً فأخذته ماري إلى " ادنبره " وأسكنته في منزل صغير ، وبعد مرور وقت قصير انشق المنزل نتيجة انفجار ليهوى على جسده فيحمل جثة هامدة ، فوجهت أصابع الشك والريبة حول الملكة ماري و بأنها وراء مقتل زوجها بمساعدة عشيقها ، ولاسيما بأنها في تلك الأثناء اتخذت لها خليلاً يدعى " ارل أوف بوثول " لينسيها جرعات الألم الذي أذاقها لها زوجها ، ولكن حبيبها سرعان ما برئ من تلك الجريمة .
قام الحبيب " ارل أوف بوثول " بتطليق زوجته العروس التي استمر على زواجهما عام واحد فقط ، وبعد مرور ثلاثة أشهر على حداد أسود تمثيلي لرحيل الزوج من قبل الملكة ماري المخلصة ، تزوجت عشيقها " ارل أوف بوثول" .
فاندلعت ثورة هائجة من جميع الأشراف البروتستانت والكاثوليك ضدها ، ملصقين على الملكة بتهم خطيرة منها:
وضع الدسائس السياسية وبالقتل الشنيع وبالإباحية ، أسرعت ماري بتجهيز جيش ليقاوم الثورة إلا أنه سرعان ما تداعى وتفرق قبل خوض الهجوم والاشتباك مع أعدائها .
وفي عام 1567م نزعت تاج العرش من رأسها مجبرة من أجل طفلها الوحيد.

أخذها زوجها المتآمر ضدها " ارل أوف بوثول " إلى قلعة حصينة فألقى بها خلف أسوار شائكة مظلمة ، بدأ دخان مؤامرة يقترب من القلعة الحصينة التي ألقيت ماري فيها ، حيث تقدمت جماعة ثائرة هامسة بمكر بأنها ستخلص ماري من سجنها فقد درسوا المكيدة بإحكام من أجل أن يستولوا على الحكم بخطف الملك الصغير .
وجدت ماري ستيوارت بأن أنصارها خذلوها وقت الشدة فتفرقوا بعد أن خانوها ، تركوها تندب حظها المليء بالأشواك خلف قضيب السجن الحديدي، فتطلعت لنافذة أمل وحيدة بعد تلك الهمسات الخبيثة من قبل تلك الجماعة ، لا تدري ما يخفونه من نوايا سيئة.
صورة ماري ستيوارت والملكة اليزابت

فأخذ قلب الملكة اليزابت فجأة يغمر ماري بالحنان لتحقق مرادها ، وهكذا وضعت ماري مصيرها بيد ابنة عمتها وعدوتها اللدود اليزابت عندما فرت عنها جميع السبل من تلقاء نفسها ، ولكنها فقدت احترام الجميع وقلت هيبتها بعد أن نقلت معذبة من سجن إلى سجن ، احتجب عنها نور الحياة وضياءها تسعة عشر عاماً .

وبعد تلك السنون المُحملة بالشجون قيدت للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى ، وذكرت بعض كتب التاريخ بأن محاكمتها كانت تخلو من محامون للدفاع عنها ،وتخلو من مستندات تدينها بالجرم ، فطالبت ماري البرلمان متوسلة إليهم بتذلل بعد فقدانها احترامهم أن ترى الملكة اليزابت فرفضوا طلبها ، واصطخبت القاعة فطرقت المحكمة طرقاتها العنيفة لتوجه للملكة ماري حُكم الإعدام .
فقالت ماري بهدوء تام يحيط به تعاسة أضاعت عناقيد عمرها:
" أما الموت فأنا أرحب به ، ولكني لم أكن أتوقع أن تُدبر أختي اليزابت هذا الأمر ، بعد سجني طوال عشرين عاماً "
قام هنري الثالث ملك فرنسا بذلك الوقت باللجوء لابنها حتى يوقظ ضميره ليساعد أمه ولكنه فشل في ذلك ، ويدافع الكتّاب عن ابنها جيمس قائلين :
" بأنه بذل مجهوداً ، ولكنه كان ضعيف الإرادة والنفوذ أمام جبروت اليزابت ووزرائها "
بعدها أخذت ماري كتاب إنجيل كاثوليكي وضعته بجوارها تقسم بأنها لم تفكر قط بقتل الملكة اليزابت .
فصاح بها زوجها الخائن " ارل أوف بوثول " :
" هذا إنجيل بابوي فيمينك لا قيمة لها "
رفعت ماري رأسها بعظمة وشموخ قائلة له :
" هذا إنجيل الكاثوليك ، وبما أني أعتقد أنه الحق فيميني صادقة يرتكن عليها "
ذكرت أقلام الكتّاب عبر التاريخ بأن الملكة اليزابت لم توقع على إمضاء حكم الإعدام ، وهناك من قام بالحيلة بتزويره ويدعى توماس هاريصن ،سكرتير السير فرنسيس ، حيث سجل في مذكراته اعترافات خطيرة نارية بعد مرور عشرين عاماً على مقتل ماري يؤكد فيها أن سيده أرغمه على تزوير إمضاء الملكة لأنه لم يكن بمقدور أحد فعل ذلك سواه وبأنه فعل ذلك بموافقة أربعة من كبار وزراء رجال الدولة المسئولين
ولكن هناك من يشكك بتلك الأقوال لأن الملكة اليزابت لم تظهر غضباً بعد تلك الإجراءات وهي التي كانت تريد قتل الحسناء ماري ستيوارت .

وفي فجر يوم رمادي حيث تستيقظ أغاني العصافير بحثاً عن سر قدري جديد ، نهضت ماري في الساعة السادسة صباح 8 شباط ( فبراير ) 1578م منتظرة تنفيذ حكم الإعدام بعد ساعتين ، طلبت من الخدم بأن يساعدوها على لبس ثياب الأعياد ، ولكنهم تراجعوا رافضين تنفيذ رغبتها ، فصرخت بأعلى صوتها :
" أنا قريبة ملكتكم ، وفي عروقي يجري الدم الملكي ، وكنت زوج ملك فرنسا ، وملكة اسكوتلاندة "ظهرت علامات خجل وأسى على الوجوه ، فلبوا طلبها الأخير

تقدمت إلى منصة الإعدام بعظمة تعلو تقاسيم وجهها الكئيب الذي أذبلته الأحزان فقالت بنبرة حزن لخادمها ملفيل :
" لا تبك من أجلي يا ملفيل ، بل أفرح لأنك ترى نهاية آلامي الطويلة، واعلم أن هذه الحياة ليست إلا غروراً فهي ملّأى بالأحزان ، أنا كاثوليكية ، وأنت بروتستانتي ، ولكن بما أنه لا يوجد إلا مسيح واحد فأنا أسألك باسمه أن تشهد بأني أموت ثابتة على ديني ، أمينة لاسكوتلاندة ، مخلصة لفرنسا ، واذكرني عند ابني العزيز ، واضرب له مثلي ، وقل له إذا شاء المعونة فليطلبها من الله ولا يطلبها من أي إنسان "
بقيت ماري على المنصة صامتة لم تذرف دمعة واحدة ولم تهذي بعبارات خائفة فقط قالت :
" أكِلُ روحي إليك يا مولاي "

ارتفعت أيدي الجلاد ومعه آلة حادة ستنهي حياة ملكة عظيمة بعد قليل ، فانهالت على رأس الملكة فأخطأ ضربته الأولى فأحدثت نزيفاً حاداً في جمجمة الملكة ولكنها لم تتأوه ، ولم تظهر علامات الألم على معالم وجهها الحزين ، وبدأ الجزار يوجه الضربة الثانية فأخطأت ، قسوة داهمتها منذ طفولتها حتى في آخر رمق لها ، فأصاب الجزار رأسها بنجاح في الضربة الثالثة ، فانفصل رأسها عن جسدها ، فصاح الجزار منادياً الجماهير المحتشدة حولها :
" هكذا يموت كل خصوم الملكة اليزابت ! "
صورة ماري ستيوارت وملك البرتغال وليام الثاني
صورة لماري في طفولتها بجوارها الأمير وليام أمير البرتغال

صورة لماري في طفولتها بجوارها الأمير وليام أمير البرتغال

مجوهرات ماري ستيوارت

[img][/img]
قصر لنلثجو (Linlithgow) الذي ولدت فيه ماري ستيوارت

صورة توضح مقتل مستشار الملكة ماري المالي " ريزو " بواسطة عصابة زوجها عندما دخلوا عليهما غرفة الطعام وجروه جرواً كالبهائم ثم قتلوه بدون شفقة

صورة الملكة اليزابت (ابنة عمتها وعدوتها اللدود )

صورة ابنها الوحيد جيمس

ماري تتقدم بهدوء تام للقاعة في القلعة المحتجزة بها بعد إصدار حكم الإعدام عليها ، وهي تحدث خادمها بلفيل وتخبره وصايتها لأبنها والتي ذكرتها بالقصة،
ترتدي زياً حريرياً أسود فهذا هو زي اللون الطقوسي للإستشهاد الكاثوليكي، تمشي بعظمة غير آبهة لأعين للمحتشدين

مما اعجبني