سعاد في السادسة عشرة من عمرها لها حظ وافر من الجمال قد كملتها القدرة الإلهية المبدعة، تخرج صباح كل يوم مع زميلاتها في الدراسة ليذهبن إلي معهد المعلمات كانت وسيلتهن في ذلك حافلة الحاج مبروك التي يستخدمها في نقل طالبات منطقته، وربما كان لابنته عائشة والتي تدرس بنفس المعهد دور في اكتمال العدد المناسب لمستخدمي الحافلة وبهذا اكتسب شهرة واسعة ووجد فيه أولياء الأمور الرجل المؤتمن علي بناتهن.
سعادة لا تعرف الكثير من مشاكل الحياة وربما سبب ذلك مرجعه إلي نمط الحياة التي تعيشه مع أسرتها ، فوالدها يعمل في التجارة وهو بذلك يستطيع أن يوفر لأسرته الحياة الكريمة الهانئة والتي تطمع فيها اى أسرة ،فمدينتهم الريفية الصغيرة تعيش حياة تختلف كثيرا عن تلك التي تعود عليها سكان المدن الكبرى حيث تسمح الفرص في تلك المدن للجميع بالخروج وممارسة الحياة بشكل لا يختلف فيه الرجال عن النساء ولا الأطفال عن الراشدين وللبنات فيها جانب من الحرية و التحرر أو علي رأي البعض جانب أوسع من الحضارة ، أما في مدينتهم الريفية فإن الفتاة لا تستطيع الخروج لأي مناسبة كما لا يمكنها رؤية أكثر من بنات عمها اللائي يجمعهن نفس المحيط السكني الذي يعشن فيه حتى انه يكون من العيب أن لم يصل إلي درجة الحرمة أن تذهب فتاة في مثل سنها لزيارة أو رؤية صديقاتها لأي سبب كان ، وتمنع الفتيات من حضور الأفراح والمناسبات البهية إن لم تكن هذه المناسبة ببيت احد الأعمام أو الأخوال،إما بيوت العمات والخالات فإنها تطالها الحرمة والمنع ، ولذلك فإن أجمل الأوقات التي تقضيها سعاد وصديقاتها معا تلك الفترة داخل معهد المعلمات والتي تستوعب كل القصص والحكايات التي تحاول كل فتاة سردها علي زميلاتها وما أكثرها لمن في مثل سنهن فكل واحدة منهن تريد أن تروي قصة أو حلما لعلها تخفف بذلك من تزاحم الروايات والأحلام لديها ويفرحن كثيرا إذا ما تغيبت احدي المدرسات عن حصتها كي تكون الفرصة مواتية لديهن كي يفرغن ما في جعبتهن من قصص وحكايا وكلام ثرثرة آخر كثير ـ ولعل لقصص وروايات عبير جانب كبير منه ـ وكل واحدة في مثل سنهن ، لها صورتها الخاصة عن فتي أحلامها، وما يتميز به من صفات لا يمكن أن تكون في احد سواه ، وسعاد كغيرها من الفتيات تريد الحديث عن فارس أحلامها ولكنها لا تري عيبا في ذكر اسمه كما إنها تريد أن تقص عنه قصصا كثيرة رغم أنها لا تعرف عنه إلا الشيء القليل ، وهي سعيدة لذلك ، ولعل جزء من هذه السعادة يرجع سببه لصداقته المتينة مع أخيها عادل ، فهو يتردد كثير علي بيتهم ،ومع ذلك فهي لا تعرف ملامح وجهة كاملة ، ولكن شغفها به كان دافعه حس غريب يدغدغ نفسها ويشعرها بنشوة غريبة لم تكن تعرفها ، وربما كان لما يحمله من صفات حسنة وجيدة تأثيرآخر فهو وديع،وحنون، وله ثقافة عالية، وفكر متفتح،هذه صفات كانت تسمعها من حديث أخيها عادل حين يتحدث بين الحين والآخر،عن فارس الأحلام (سامي) وهذا هو اسمه ، فهو لم يكن كشباب مدينتها، فإن له أوصافا، كثيرة تختلف ولا تنتهي إذا ما أرادت هي أن تسردها على مسامع أحد ، ولعل الشيء الأكثر تميزا بينه وبينهم تلك الثقافة والتربية التي تربي عليها بالعاصمة والتي جعلت من نمط حياته شكلا تميزا به عنهم.
كانت سعاد منجذبة نحو سامي ومع ذلك فهي لا تستطيع أن تبوح بحبها وكيف أنها تتعذب في هذا الحب الجامح حسب ما يتراء لها والذي يملك عليها نفسها وروحها وكل شيء عندها ولم يكن لها مخبئ لسرها سوي أختها التي تصغرها بسنة واحدة والتي لا شك بأنها أكثر حفظا لسرها من قلبها الذي بين جنبيها.ومع ذلك فهي لا تعرف حق المعرفة هل رآها يوما أم لا وإذا ما حدث ذلك فما هو الانطباع الذي يمكن أن يحمله في نفسه عنها .
كان سامي قد بلغ من العمر السابعة والعشرين وأصبح ناضجا في تفكيره ومشاعره لم تساعده الظروف علي إنهاء دراسته الجامعية والتي تعثرت لأسباب لم يك له دخل بها ولا سلطان له عليها ولذا لم يك هذا الأمر يشغل باله، بل ان تفكيره صار منصبا علي جدية الحياة التي يحيا فهو يريد أن يستقر وأن يؤسس عائلة ، وهذا ما يشغل بال والده أيضا وهو لا يعرف كيف يبدأ في شق طريقه نحو تحقيق هذا الهدف وكيف يخطط له.
في صباح احد الأيام خرج سامي مبكرا، مد خطواته منتعشا بهواء الصباح العليل ، كان العام الدراسي قد اشرف علي الانتهاء ، كان المنظر جميلا لتلاميذ المدارس وهم يمشون زرافات ووحدانا كل منهم يسابق الزمن في الوصل إلي مدرسته مر سامي بالقرب من منزل صديقه عادل فرأى مجموعة من الفتيات في احدي زوايا البيت ينتظرن الحافلة كنا في أعمار متفاوتة مما يدل علي أنهن لسن في نفس المستوي الدراسي وكانت نظرة خاطفة استقرت نحوهن أرعدت مفاصله وشلت تفكيره، وتسارعت نبضات قلبه وخطواته معا هذه النظرة
كانت قد رسمت في نفسه وعقلة صورة فتاة جميلة تقف من بينهن يا لروعة الجمال الذي صورت فيه يا تري من تكون ؟ سؤال من تساؤلات عدة مرة على تفكيره ولم يخطر بباله أن تلك الفتاة قد سقته من كفيها العديد من أكواب الشاي والقهوة وفي كثير من المرات قد تذوق أشهي وأطيب الأكلات .

دمت لنا ودام قلمك