جزع السيدة زينب عليها السلام في الكوفة

تاريخ التسجيل : 08/11/2013

جزع السيدة زينب عليها السلام في الكوفة

اختلفت وتباينت الأوجه وكثر الجدل حول موضوع "جزع" الحوراء زينب عليها السلام في مدينة الكوفة، وبالتحديد حول مسألة شج رأسها بمقدمة المحمل عندما رأت صلوات الله عليها رأس أخيها معلّقاً فوق أعناق الرماح، كما أدلت على ذلك الأمر رواية المحمل .
وزٌعم إن هذا الموقف الصادر من العقيلة زينب عليها السلام أمام الرأس لا يتلاءم ولا ينسجم مع وصية أخيها الحسين عليه السلام لها في ليلة العاشر من المحرم لسنة 61 هجرية في ساحة كربلاء حينما قال لها "يا أخيّة! إني أقسمت عليك فأبرّي قسمي: لا تشقّي عليّ جيبا، ولا تخمشي عليّ وجها، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور؛ إذا أنا هلكت" . وبحسب هذا المزعوم خالفت السيدة زينب عليها السلام أمر ووصية أخيها وإمام زمانها!.
بصرف النظر عما ذكر وقيل حول سند ومتن راوية المحمل من حيث أنها معتبرة أو غير معتبرة، ومع تسالمنا ولو من باب الإحتمال والإستحسان أن الوصية وردت خاصة بالسيدة زينب عليها السلام من دون غيرها من النساء الهاشميات؛ مع ان المتعارف عليه حسب ما نقل في مصادر التأريخ ان الإمام الحسين عليه السلام أوصى جميع نسائه بهذه الوصية بمن فيهن أخته أم كلثوم وابنته السيدة فاطمة وزوجته الرباب عليهم السلام، وعلى ذلك يمكن مراجعة الباب المختص به في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد.
ثمة شواهد تلغي هذا الزعم وتبطل صحته فضلاً عن عدم قبوله عند سيرة المتشرعة والسيرة العقلائية.. ومن الشواهد:
اولاً- محال ولا يمكن أن يصدر أي محذور شرعي من الحوراء زينب عليها السلام، وهي الحفيدة الأولى للنبي محمد والبنت الأولى لعلي أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين. كما إنه لا يتناسب ابداً مع منزلتها العظيمة ومقامها الشريف، فهي السيدة الكبرى التي نالت وسام الصبرعلى إنفاذ وصية أخيها عليه السلام في كربلاء.
فهل من الحكمة أن تخالف السيدة زينب عليها السلام وصية أخيها أو تنقض عهده كما يزعمون وهي التي كانت من أشد المستنكرين على أهالي مدينة الكوفة لسوء خذلانهم وإبرام عهودهم مع أخيها الحسين عليه السلام ثم انحسارهم عنها. بقولها في خطبتها الشريفة إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط اللّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون ) .. فمن وُضعت في هذا المقام الكبير لا يمكن لها أن تخالف أمر إمامها وحجة زمانها، فهذا أمر محال، ولا يتلاءم أبداً مع مبدأ "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" والوفاء بالعهود والعقود.
هذا بجانب إن العقيلة زينب صلوات الله عليها لم تلق نهياً أو زجراً شرعياً من إمامها وحجة زمانها الإمام المعصوم زين العابدين عليه السلام الذي كان بصحبتها عند نطح جبينها فعدم نهيه إقرار وإقرار المعصوم حجة شرعية كما جاء في علم الإصول.
ثانياً:- ان ادعاء مثل هذا الأمر يتنافى مع العصمة الصغرى للعقيلة زينب صلوات الله عليها التي (قيل فيها أن فضائلها وفواضلها، وخصالها، وجلالها، وعلمها، وعملها، وعصمتها، وعفتها، ونورها، وضياءها، وشرفها، وبهاءها، تالية أمها وثانيتها، ، وأنها عليها السلام كانت تعلم علم المنايا والبلايا، كجملة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، منهم ميثم التمار ورشيد الهجري وغيرهما، بل جزم في أسراره أنها صلوات الله عليها أفضل من مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات النساء،)
فمن في مقامها هذا لا يمكن إلا أن يكون معصوماً ومنزهاً عن الوقوع في الخطأ والزلل والخطايا.
ثالثاً:- كما يتعارض مع منزلتها العلمية الرفيعة التي اعتمدها ووثقها الإمام السجاد عليه السلام بقوله: (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهّمه) .
ووصفها الأخرون على أنها (... كانت محدثة أي ملهمة ، وأن علمها كان من العلوم اللدنية والآثار الباطنية . وهو من سنخ علوم أهل الكساء عليهم السلام الذين عندهم آيات الأنبياء: وراثة كما ورد في الزيارة الجامعة (وعندكم مواريث الأنبياء) كألواح موسى وعصاه وخاتم سليمان بل لديهم جميع كتب الأنبياء وعلومهم وآياتهم أيضاً، وعندهم الجفر والجامعة ومصحف فاطمة وما يحدث بالليل والنهار بل هم أوعية العلم الإلهي ) .
وأشارت عدة روايات إلى مكانتها وأصل علمها الّلدني الذي نشأ معها منذ الصغر، فقد جاء في هذه الرواية على أنها (...كانت حاضرة عند أبيها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وقد أجلس العباس عليه السلام وهو صبي في حجره وقال له: قل واحد. فقال: واحد. فقال له: قل اثنين.. فامتنع وقال: إني استحيي أن أقول اثنين بلسان قلت به واحدا، وهنا التفتت زينب عليها السلام إلى أبيها وكانت هي أيضا صغيرة وقالت: أتحبنا يا أبه؟. فأجابها أمير المؤمنين عليه السلام برأفة: بلى يا بنية. فقالت: لا يجتمع حبان في قلب مؤمن حب الله وحب الأولاد، وإن كان ولابد فالحب لله تعالى والشفقة للأولاد، فأعجبه عليه السلام كلامها وزاد في حبه وعطفه عليها ) .
رابعاً: جزع السيدة زينب عليها السلام وتصرفها أمام رأس أخيها في الكوفة لم يعد مخالفاً ومغايراً لأساس الوصية كما ادعاه وزعمه البعض، لأنه ليس هو الفعل الوحيد والفريد من نوعه الذي صدر عنها ويصدق عليه عنوان ومفهوم الجزع، بل شهدت لها حوادث كربلاء المقدسة في أكثر من موقع وأكثر من مناسبة عدة مواقف يصدق عليها نفس العنوان السابق، وقد صادف حدوث بعض من هذه الأفعال في حياة أخيها الإمام الحسين عليه السلام وأمام عينيه الشريفتين في كربلاء، ولم نر نصاً أو رواية في كتب السيرة والتأريخ تشير إلى نهي أو ردع منه صلوات الله عليه حول تلك الأمور.
- فعندما استشهد إبن أخيها علي الأكبر عليه السلام "روي أن زينب خرجت مسرعة، تنادي بالويل والثبور، وتقول: يا حبيباه! يا ثمرة فؤاداه! يا نور عيناه!.واولداه! واقتيلاه! واقلة ناصراه! واغربتاه! وا مهجة قلباه! ليتني كنت قبل اليوم عمياء، وليتني وسدت الثرى.فجاءت وانكبت عليه، فبكى الحسين عليه السلام رحمة لبكائها، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وجاء وأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط .
- وماذا فعلت السيدة زينب صلوات الله عليها بعد قتل أخيها الحسين عليه السلام عندما رأت جسده الشريف مسجّى على الثرى، مثخن بالجراح، تحيطه الأعداء من كل حدب وصوب.. وقال الراوي: (وخرجت زينب من باب الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه، وا سيداه، وا أهل بيتاه، ليت السماء انطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل، قال العلامة المجلسي: " خرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه، وا سيداه، وا أهل بيتاه، ليت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل..) .
- وحينما عادت السيدة زينب عليها السلام إلى المدينة المنورة بعد استشهاد أخيها الحسين عليه السلام جاء: " أما زينب فأخذت بعضادتي باب المسجد ونادت: يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين، وهي مع ذلك لا تجف لها عبرة ولا تفتر من البكاء والنحيب، وكلما نظرت إلى علي بن الحسين تجدد حزنها وزاد وجدها " .
خامساً: تصرف السيدة زينب صلوات الله عليها وجزعها أمام الرأس الشريف في مدينة الكوفة مطابق لإقرار أئمة أهل البيت عليهم السلام وذلك مما يدعو المؤمنين إلى إحياء أمرهم واستحباب الجزع عليهم، وبالخصوص على مصاب جدهم الإمام الحسين عليه السلام. كما صرح الإمام الصادق عليه السلام بذلك عن (معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ أنه قال لشيخ: أين أنت عن قبر جدي المظلوم الحسين عليه السلام؟ قال: إني لقريب منه، قال: كيف إتيانك له؟ قال: إني لآتيه وأكثر، قال: ذاك دم يطلب الله تعالى به. ثم قال: كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام
وكان الإمام الصادق صلوات الله عليه يدعو بالرحمة أيضاً لمن جزع على مصاب جده الحسين عليه السلام. فجاء في رواية رواها المجلسي في مزار البحار باب (زيارة الحسين واجبة مفترضة) عن ابن أبي عمير عن معاوية بن وهب قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو في مصلاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه ويقول: يا من خصنا بالكرامة ووعدنا بالشفاعة وحمّلنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقى وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي ولإخواني وزوار قبر أبي الحسين بن علي صلوات الله عليهما الذين أنفقوا أموالهم واشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا..اللهم ارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على قبر أبي عبد الله عليه السلام وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا...الخ .
وروي (عن مسمع بن عبد الملك قال: قال لي أبو عبد الله عليه السّلام - في حديث: - أما تذكر ما صنع به يعني بالحُسين عليه السّلام ؟ قلت: بلى، قال: أتجزع ؟ قلت: أي والله، وأستعبر بذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك علي، فامتنع من الطّعام حتى يستبين ذلك في وجهي، فقال: رحم الله دمعتك أما إنّك من الذّين يعدون من أهل الجزع لنا، والذّين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك، ووصيتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة أفضل، ولملك الموت أرق عليك وأشد رحمة لك من الأم الشّفيقة على ولدها (إلى أن قال): ما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدّمعة من عينه، فإذا سال دموعه على خده، فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنم, لأطفأت حرها حتى لا يوجد لها حر، وذكر حديثا طويلاً يتضمن ثواباً جزيلاً، يقول فيه: وما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنّظر إلى الكوثر، وسقيت منه مع من أحبنا) .

تاريخ التسجيل : 22/04/2012

» وفاة السيدة زينب عليها السلام
» درساً من الحوراء زينب عليها السلام لكل الاجيال
» أشعار في حق السيدة زينب عليها السلام
» زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
» نبذة من حيااة السيدة .. زينب بنت علي ابن ابي طاالب عليهماا السلام

جزع السيدة زينب عليها السلام في الكوفة

جزع السيدة زينب عليها السلام في الكوفة

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة