يازمن الكذب...

تاريخ التسجيل : 08/09/2011

يا زمن
الكذب... وقف النهر.. ونضب.. حدثته الأشجار من حوله، بكى على روافده
الطير، وانتحرت الضفادع... أما الديمة فتحجرت فوق صدر الفضاء..!
ـ أيها النهر... لماذا توقفت ونضب ماؤك؟
شهق النهر في هزيعه الأخير: ـ هه ... يا زمن الكذب ـ كأن السؤال جاء
تطفلاً.. كان النهر يتغذى من الجبال العالية، السماء ما عادت تمطر،
المزارعون تكوموا عند مدخل أحدهم حمل بعضهم معاولهم وقرروا أن يحفروا بئراً
.. زرعهم بدأ يجف... الخضرة من حولهم كادت تتحول إلى لون شاحب يوحي
بالموت...
ـ أيها النهر لم توقفت ونضبت؟
شهق النهر في هزيعه الأخير ... ـ يا زمن الكذب ـ كان النهر يرتوي من بين الصخور ..!
(الإنسان ما عاد هو الإنسان ... مالهذا المخلوق يتردى نحو الأدنى في كل
شيء، يتدنى نحو الاردأ في كل شيء) هز النهر كتفيه: هه ... هذه الحقيقة هي
فحوى القضية..!
ـ ما لهذا المخلوق ... يازمن الكذب...
أخذت الجوقة تنشد لحن التردي! تكرر اللحن الحزين ... أما الأشجار والأحجار،
ومجاري النهر الناضبة، وجثث الضفادع فقد حزنت ... صمت صدى بعضها ...
وتبددت رائحة بعضها الآخر.
ـ أيها النهر لمَ نضبت؟
لم يجب النهر .. كانت الديمة المتجمدة قد ضاعت في الفضاء... وانقشع
الظلام.. ولم يعد لون قاتم يرسم خطواته على وجه الأرض... أما المزارعون فقد
بدأوا يحفرون البئر ! تعبت ظهورهم ... كلت سواعدهم ... صاح أحدهم : انكسر
فأسي! كل المعاول تهاوت .. لم يعد ّ بين ايديهم معول واحد!
ـ أيها النهر لم توقفت؟ النهر لايجيب لاذ بالصمت ...
صرخ طفل قادماً من صوب منازل المزارعين: ظمأن، ظمآن!.. انتفضت جثة ضفدع
مسجاة على الأرض: ظمآن، ظمآن!.. ومن فم مجهول أقبل صوت من خلف الجموع
بصرخة: يا ... زمن ... الكذب ..! وآه يا ... كذب !... هرع الجميع الى مجرى
النهر... حسبوه قد عاد ينضح من جديد، حسبوا ذلك صوت النهر ... غير أنهم لم
يجدوا شيئاً!
صرخ الطفل مرة ثانية: ظمآن، ظمآن...
استنجد الضفدع، عادت إليه رعدة الحياة.. الطفل ظمآن ... رفع المزارعون
معاولهم: كذب ... كذب ... الأرض لاتعطي ماءً... ضحكت الديمة من فوق رؤوسهم
... تحركت الشجرة في ضحكة هازئة بجوارهم ... قالت أصوات عديدة : كذب ...
كذب ... الأرض تعطي ماءً ... معاولكم واهية... النهر قد توقف... السدود
تفصل بينه وبين الرافد والمصدر ... أيها المخلوق.. ما بالك تتردى نحو
الأدنى في كل شيء؟
لفظ الضفدع آخر أنفاسه ... الطفل يلهث تحت هجير الشمس... يركله الرجل بين
قدميه... يحفرون قبره... يوارونه التراب... ضحك النهر: كيف قدرت يا إنسان
أن تحفر بمعولك القبر قبل أن تحفر البئر؟... ووصلت أصداء زفير النهر
الأخير: يازمن ... الكذب.