رسالة من امرأة مجهولة

تاريخ التسجيل : 18/11/2010

رسالة من امرأة مجهولة
إلى من لا يهمه الأمر
تزينت لك، وإن كنت لا أعرف لون عينيك، صوتك، قامتك، خطوتك، لا أعرف من أنت لكني أعرف أنك إن قرأت هذه الورقة فستنساها على مائدة، أو ستلقي بها في مستقر الأوراق المهملة.
أكتب إليك؛ لأن حبا في داخلي تراكم عبر الأيام، وتكدس بمرور السنوات، حبا موجها لقلب في خيالي، قلب غير محدود، يكفي أنه لرجل، أبيض أو أسمر أو قمحي، يراقصني إن أراد، أو يطوي خصري إن شاء، يسير بي في طريق حنون على امتداد النيل أو بحذاء البحر، ينظر في عينيّ طويلا، يحتوي يدي في يده – رجل قد يقرأ أو لا يقرأ هذا الخطاب، قد يضحك، قد تدمع عيناه، قد يكمل الخطاب بدافع الفضول أو التندر أو التأثر، بل في الغالب لن يهتم.
اعتبرني أختك أو أمك، أو إنسانة دفعها المطر إلى طرق بابك في الليل.
وضعتني أمي في مهد ورحلت، تلقتني جدتي في حضنها لكن ثوبها كان جافًا وبصرها كليلا، ولم أذق من حنانها إلا قليلا، بمقدار أيام معدودة عاشتها بعد أمي،
كان أبي من رجال الجيش؛ استشهد في معركة لا أدري عنها شيئًا، لكني أعرف كم تعذبت في وحدتي، في غربتي، وذلي بين أقارب أعمل عندهم بلقمتي.
لا تظنني سندريلا، فأنا شارفت الأربعين، لكني حقًا أكتب لفارس على حصان أبيض، أو موكب عظيم، فارس وسيم يراقصني حتى الفجر في حفل النجاة، منقذ أعلم أنه مجهول ومستحيل، ولأنه مجهول أكتب إليه بلا تحفظ ولا خوف ولا خجل، ولأنه مستحيل تنزل دموعي على هذه الورقة.
إني أدعوك أن تنقذني، أتوسل إليك أن تمد لي يدك وتنتشلني من ذلي ويأسي وظمئي، أدعوك وأنا أعرف مصير هذه الورقة، وبالطبع أعرف مصيري.

الضائعة ـ س.ح
11-7-1989
كانت تلف حبة من البطاطا المشوية، اشتريتها من عجوز يدفع عربته وعليها فرنه البدائي الصغير، فتحت اللفافة شاردًا، لكني وجدتها مكتوبة بخط اليد، خط أزرق مرتعش، إذن فهي ليست ورقة من مجلة أو جريدة، أثارت الورقة فضولي، قرأتها فلم أصدق، كيف وصلت إلى بائع البطاطا، بالطبع مرت بسلة مهملات قبل أن تصل إليه.
ثم وقع بصري على التاريخ: يا ألله!
أكثر من عشرين عامًا، لم أكن أعرف أن المهملات تعيش عندنا إلى هذا العمر، أن تدويرها يبلغ هذا القدر من التطور، لقد صمد الصوت الحزين اليائس المستجير طوال هذا الوقت، ربما بعد أن زالت صاحبته أو انتهى بها اليأس إلى الجنون.
لكن قلبي قال لي:
هذا صوت واحد موجه للفراغ، تأمل كم من الأصوات يأتي من مصدر معروف إلى وجهة محددة، ما هذا الصوت المستغيث إلا جزء ضئيل من الحياة، نغمة حزينة بين أنغام طروب، قلت للصوت: يحزنني كم من الحب الثمين يذهب إلى حيث هو مرفوض، أو يذبل في الكتمان، في سجن الضلوع.
قال لي الصوت: تأمل هذه الوردة الحمراء؛ لترى كم منها يذهب إلى زهرية، وكم إلى سلة مهملات، وهذه البيضاء، وهذه الوردية، كل هذه الزهور تذهب من يد عاشقة ليد عاشقة، أو ليد مرحبة، وحتى إن سلمنا أن ليست كلها، وأن بعضها ينسى ويهمل، أو حتى يرفض أو يلقى به في أقرب سلة مهملات، أو على رصيف حيث تدوسه الأقدام، إلا أن مهرجان الزهور التي تطرق الأبواب فتفتح لها الأبواب غزير ومبهج كمطر كرنفالي منهمر، كرسائل تصل إلى صاحبها مضمَّخة بعطر عاشقته المميز وبخطها المعروف الذي أحبه.